سورة النساء - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8)}.
التفسير:
هنا يجىء ذكر الميراث، وأحكامه، بعد ذكر اليتامى، ومالهم على الأوصياء- الذين هم من أقارب المورّث غالبا- من حقوق.
فاليتم لا يكون إلا بعد موت الوالدين، وخاصة الأب، وكذلك الميراث، لا تقوم أحكامه إلا بعد موت المورّث.
وفى قوله تعالى: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} الآية حكم عام مجمل للميراث، وستجىء الآيات بعد ذلك بأحكامه مفصلة مخصّصة.
وقوله تعالى: {وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً} هو تدبير حكيم، من لدن عليم خبير، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
فهذا مال ساقه القدر- على غير انتظار- لجماعة من قرابة المتوفّى، وهاهم أولاء يقتسمون هذا الميراث فيما بينهم، ويذهب كل واحد منهم بنصيبه منه..!
هذا جانب من الصورة التي تبدو للعين بعد موت المورّث، وعند تقسيم تركته، وهو الجانب البارز الواضح منها.
ولكن هناك جانب آخر لتلك الصورة، لا تراه إلا البصائر النافذة، ولا تشعر به إلا القلوب المتفتحة! ويضمّ هذا الجانب من الصورة أشتاتا من الناس.. الأقارب الذين لا نصيب لهم في الميراث، واليتامى الفقراء، والمساكين.. وهؤلاء جميعا تحدّق عيونهم في هذا الميراث، وتتلمظ شفاههم به، ويسيل لعابهم إليه.. فإذا انتهى الموقف، وانفضّ الجمع، وذهب كل وارث بنصيبه، دون أن ينال هؤلاء الواقفون على الجانب الآخر شيئا من هذا الميراث، امتلأت نفوسهم غيظا، واحترقت أكبادهم حسدا، وهذا من شأنه أن يثير العداوة والبغضاء في الجماعة، ويوقع الشرّ بينها.
والإسلام حريص على أن يسدّ هذه الثغرات، التي تهبّ منها على المجتمع ريح الفتنة، وعواصف الفرقة! وقد جاء هنا بتدبيره الحكيم، فأعطى كل ذى حقّ حقّه، وأقام موازين العدل والإحسان بين الناس، وجمعهم جميعا على المودة والرحمة.
ومن تدبير الإسلام في هذا أن جعل لهؤلاء الذين يحضرون قسمة الميراث من الأقارب غير الورثة، ومن اليتامى الفقراء، والمساكين- جعل لهم نصيبا من هذا الميراث.. تطيب به خواطرهم، وتسد به مفاقرهم، دون أن يكون في ذلك ما يضير الورثة، أو يجور على حقهم في مال مورثهم.
فهذا المال الذي يبذلونه لمن حضر القسمة من هؤلاء المذكورين في الآية، هو شيء قليل، متروك تقديره للورثة أنفسهم، ولداعى الخير عندهم، خاصة في هذا المشهد الذي يذكرهم بالموت، وما وراء الموت.. الأمر الذي من شأنه أن تلين له القلوب القاسية، وتسخو فيه الأبدى الشحيحة! وانظر إلى تدبير اللّه، وإلى تقديره في هذا الأمر.
فأولا: الشرط الذي يستحق به هؤلاء المذكورون في الآية- شيئا من التركة، هو أن يكونوا بمحضر من قسمة التركة، سواء أكان هذا الحضور واقعا أو حكما، بمعنى أن يكونوا في مجلس القسمة، أو على علم به، لقربهم منه، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ..} وثانيا القدر المطلوب لهؤلاء المذكورين من مال المتوفّى هو متروك لتقدير الورثة، وما تفيض به مشاعر الخير في نفوسهم.. وهذا ما يشير إليه قوله سبحانه: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} فهذا الرزق الذي يرزقونه هو من بعض هذا المال ومن حواشيه لا من صميمه، حتى لا يتأذّى الورثة بالعدوان الجائر على نصيبهم، وهذا على خلاف ما جاء في الدعوة إلى الإنفاق على {السفهاء} من مالهم الذي في أيدى الأوصياء، حيث قال تعالى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ}.
وفى قوله تعالى: {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً} دعوة إلى الإحسان بالقول، بعد الإحسان بالعمل.. فالكلمة الطيبة هنا تسدّ النقص الذي قد يستشعر به من يصيبهم شيء من هذا المال الذي بما يراه بعضهم قليلا إلى جانب ما ذهب به الورثة من الميراث.
وبهذا، وذاك تطيب النفوس، وتنقشع سحب العداوة، ودخان الأحقاد، بين جماعة تربطها روابط القرابة والإخاء!


{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10)}.
التفسير:
وفى محضر الموت، وبمشهد من الاستبداد بمال الميت، الذي جمعه، واجتهد في جمعه، ثم صار إلى يد غيره، وربما إلى يد من كان يبغض أو يعادى من ورثته- يتمثل للحريصين على جمع المال من كل وجه، والمترصدين له بكل سبيل، غير متحرجين ولا متأثمين- يتمثل لهم مصير هذا المال الذي ركبوا له هذه الطرق، وجنوا به تلك المآثم، فيخفّ وزنه عندهم، ويقلّ حرصهم عليه، وإلقاء أنفسهم إلى التهلكة من أجله.. وهنا تصغى الآذان للنصح، وتتفتح القلوب للعظة فيما يتصل بالمال، والتعفف في كسبه وجمعه!.
ولا يدع القرآن هذه الفرصة تمرّ، دون أن ينتهزها، ليبلغ من القلوب الغاية التي يريدها، لحفظ حقوق اليتامى، وصيانة أموالهم، وحراستها من طمع الطامعين، وخيانة الخائنين.
لهذا جاء قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ} جاء مذكرا الأحياء بهذا الذي هم صائرون إليه هم وأموالهم، عارضا عليهم في هذا الموقف ما يهزّ مشاعرهم، ويثير أشجانهم.
إنهم سيموتون كما مات هذا الميت الذي تقاسموا تركته، أو تقاسمها ورثته وهم يشهدون.
وإنهم سيتركون من بعدهم أطفالهم، الذين سينضمون إلى موكب الأيتام، كما ترك هذا الميت أطفاله، وانضموا إلى جماعة الأيتام، ممن مات آباؤهم قبله.
فليرعوا حق اللّه إذن، وليخشوه في هؤلاء اليتامى الذين في أيديهم، وليصونوهم ويصونوا أموالهم، وليعاملوهم كما يرجون أن يعامل أبناؤهم من بعدهم.
وإنه ليس هناك من صورة مثل هذه الصورة، التي يعرضها القرآن هنا، في إثارة العواطف، وفى استجلاء العبرة والعظة، حيث يتمثل منها للحى خاتمه مطافه في هذه الحياة، ومصير هذا المال الذي جمعه، والذي يكاد يذهب بدينه ومروءته جميعا.
وفى قوله تعالى: {فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً} نداء سماوى كريم، يلتقى مع تلك المشاعر التي حركتها الصورة التي يتمثلها من يقرأ الآية الكريمة وينظر فيما يطلع عليه منها، من مشاهد الموت، وما بعد الموت.
والقول السديد، الذي تدعو إليه الآية، هو القول الذي يحمل النصح، والتوجيه، والتسديد، لليتامى، وإعدادهم إعدادا صالحا للحياة.. تماما كما يفعل الأب مع أبنائه، وإلا فهو قول غير سديد، وخيانة للأمانة التي اؤتمن الأوصياء عليها.
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} تحذير بعد نصح، وتهديد بعد عظة.. فمن لم يفتح عينه على هذا الخطر، ويتجنب الهاوية التي بين يديه، فلا يلومنّ إلا نفسه.
إن مال اليتيم هو نار تحرق كل من يمدّ إليه يدا خائنة، أو يدسّه في بطن شرهة، فمن أكل منه احترق به في الدنيا، وصلى به عذاب جهنم في الآخرة.


{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11)}.
التفسير:
فى هذه الآية والآية التي بعدها بيان، لأحكام الميراث، التي أجملتها الآية (7) من هذه السورة.
والوصية التي يوصى بها اللّه- سبحانه- في ميراث الأبناء، هى على سبيل الوجوب الإلزام، وإنما جاءت بلفظ الإيصاء لأنها تتعلق بأمر يقع بعد الموت، وهو الميراث، فهى وصية من اللّه، ينبغى نفاذها في تركة المتوفّى، كما يجب نفاذ وصية الموصى بعد موته! ويؤكد وجوب هذه الوصية قوله تعالى في خاتمة الآية: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ}.
وقوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} بيان لنصيب كل من الولد والبنت في تركة والدهما المتوفّى.. فللذكر ضعف الأنثى، أو مثل نصيب الأنثيين.
وقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ} أي إن كان المتوفّى لم يعقب ذكرا، وكانت ذريته إناثا، فإن كنّ اثنتين فأكثر، فلهما أو لهن الثلثان {وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}.
وقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ} أي ويوصيكم اللّه أن تفرضوا لأبوى المتوفّى، لكل واحد منهما السّدس من التركة، وذلك {إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ} ذكرا كان أو أنثى.
{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ، فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} أي إن لم يكن للمتوفّى فرع كاين أو بنت، أو ابن ابن، {وَوَرِثَهُ أَبَواهُ} أي انحصر الميراث فيهما {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} وللأب الباقي وهو الثلثان.
{فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ} اثنان فأكثر.. أشقاء، أو لأب.. ذكورا أو إناثا، {فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} أي أن نصيبها مع وجود الإخوة ينتقل من {الثلث} إلى {السّدس}، وهذا الانتقال لصالح الأب، لأن الأخوة لا يأخذون مع وجود الأب شيئا.. وإنما هم يؤثّرون على نصيب الأم فقط، ويحجبونها حجب نقصان.
والعلة في هذا أن الأب هو الذي من شأنه أن يرعى إخوة المتوفّى، الذين هم أبناء هذا الأب، فانتقل ما كان يمكن أن يكون لهم إلى أبيهم.
وذلك كلّه من بعد أن ينفذ في مال المتوفّى ما أوصى به، وأن يؤدّى ما عليه من دين، ولو استغرق الدين، كل ما ترك.
وأداء الدّين مقدّم على كل شىء، يتصل بتركة المتوفّى، من وصية، أو ميراث.
هذا، ويلاحظ أن النظم القرآنى قد التزم تقديم الوصية على الدّين في الآيات التي تضمنت أحكام المواريث، فكان يختم الحكم هكذا: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ}.
ولا بد لهذا التقديم الملتزم من حكمة، فتقديم أمر حقّه التأخير، والتزام هذا التقديم في كل مرة- أمر لا يكون إلا عن قصد وتدبير.
ويرى الزمخشري أن تقديم الوصية على الدّين هنا للإلفات إليها، والتحريض على إنفاذها، دون تهاون أو تفريط.
ذلك أن الوصية تبرع وإحسان بدون عوض، وإذ كانت على تلك الصفة فربما رآها الورثة بعين الاستخفاف، فلم يمضوها كما أرادها الموصى، أو لم يمضوها أصلا.. أما الدّين فهو حق للدائن، إن سكت عنه الورثة لم يسكت عنه صاحبه.
فإذا قدمت الوصية على الدين كان ذلك غير مفوّت على الدين مكانته، في حين أن هذا التقديم يقوّى من شأن الوصية، ويلحقها بالدّين في القوة والإلزام.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8